بحث

مدونة الدكتور حمدى زكريا الطبية

اضطرابات البلع

مقدمة

إذا كان المرءُ مُصاباً بأحد اضطرابات البلع، فقد يجد صعوبة في البلع، وقد يجد ألماً في البلع أيضاً. وقد يكون بعضُ المرضى غير قادرين أبداً على البلع، أو يمكن أن تكون لديهم صعوبة في ابتلاع السوائل أو الطعام أو اللعاب. وهذا ما يجعل الأكلَ صعباً. تعتمد معالجةُ اضطرابات البلع على سببها. وقد تشتمل المعالجةُ على الأدوية، أو الجراحة، أو أنواع أخرى من المعالجة. تشرح هذه المعلموماتُ الصحية اضطرابات البلع. وهي تتناول الأعراضَ العامة لهذه الاضطرابات، كما تتحدث عن اضطرابات البلع الشائعة وسبل معالجتها.
البلع
يقوم كلُّ إنسان بعملية البلع مئات المرات في اليوم الواحد؛ فالبلعُ ضروري لتناول الطعام وشرب السوائل. كما أنَّه ضروري أيضاً من أجل إزالة اللعاب والمخاط الزائدين اللذين ينتجهما الجسم. البلعُ عمليةٌ معقَّدة. ويشترك في هذه العملية حوالي خمسين زوجاً من العضلات، إضافة إلى أعصاب كثيرة، وذلك من أجل:
تلقِّي الطعام في الفم.
نقل الطعام من الفم إلى المعدة.

هناك ثلاثُ مراحل للبلع:
المرحلة الفموية.
المرحلة البلعومية.
المرحلة المريئية.

خلال المرحلة الفموية، يجري تحضيرُ الطعام أو السائل لعملية البلع. يقوم كلٌّ من اللسان والفك بتحريك الطعام الصُّلب في الفم حتى يتم مضغه. والمضغُ يمنح الطعامَ الصلب القوامَ والحجم المناسبين لكي يتم بلعه. كما يجري مزجُ الطعام باللعاب أيضاً خلال عملية المضغ. ويقوم اللعابُ بترطيب الطعام وتليينه حتى يصبح بلعه سهلاً. في نهاية المرحلة الفموية، يدفع اللسانُ الطعامَ أو السائل إلى مؤخَّرة الفم. تبدأ المرحلةُ البلعومية عند المرور السريع للطعام أو السائل عبر البلعوم. والبلعومُ هو منطقة من الحلق تصل الفم بالمريء، والذي يدعى باسم أنبوب البلع أيضاً. خلال المرحلة البلعومية، تُغَلق الحنجرة، أي حُجرة الصوت، إغلاقاً محكماً، ويتوقَّف التنفس. وهذا ما يمنع الطعامَ أو السائل من دخول المسالك الهوائية المؤدية إلى الرئتين. المريءُ هو الأنبوبُ الذي ينقل الطعامَ إلى المعدة. وخلال المرحلة المريئية، يمرُّ الطعامُ أو السائل عبر المريء في طريقه إلى المعدة. المريءُ أنبوبٌ عَضَلي. ويتكوَّن جدارُ هذا الأنبوب من طبقات مختلفة كثيرة من النُّسُج التي تساعد على دفع الطعام أو السائل إلى المعدة.

الأعراض

تكون أعراضُ كثير من اضطرابات البلع متشابهة. والأعراض الرئيسية هي عدم القدرة على بلع الطعام أو السوائل أو اللعاب، أو صعوبة بلعها. تشتمل الأعراضُ الشائعة الأخرى لمشكلات البلع على ما يلي:
السعال أو الاختناق.
تقاطُر اللعاب.
الإحساس بأنَّ الطعام قد علق في الحلق أو الصدر.
ألم خلال عملية البلع.

قد تؤدِّي بعضُ أنواع اضطرابات البلع إلى ما يلي أيضاً:
الصوت الأجش.
صعود الطعام أو الأحماض المعدية إلى الحلق.
حرقة الفؤاد المتكرِّرة.
ألم في منطقة الرأس أو الرقبة، كألم الأذن مثلاً.
صعوبة التنفُّس أو الكلام.
نقص غير متوقع للوزن.

من الممكن أن تؤدِّي صعوبةُ البلع إلى ما يلي:
سوء التغذية والتجفاف بسبب عدم القدرة على تناول الكمية الكافية من الطعام والسوائل.
مشكلات تنفُّسية إذا دخل الطعام أو السائل في السبل الهوائية.

إذا لاحظ المرءُ أيَّ عرض من هذه الأعراض، أو إذا لاحظ أي تغيرات أخرى، فإنَّ عليه استشارة الطبيب.


الأسباب

يمكن أن يُصابَ أيُّ إنسان باضطرابات البلع، لكنَّها تكون أكثر شيوعاً لدى المتقدِّمين في السن. وغالباً ما تحدث اضطرابات البلع بسبب وجود حالة صحية أخرى. إن أي حالة صحية تؤدِّي إلى إضعاف أو إصابة العضلات والأعصاب المستخدمة في البلع يمكن أن يكونَ لها تأثير في عملية البلع. وعلى سبيل المثال، فإنَّ الأشخاص المصابين بأمراض الجهاز العصبي يتعرَّضون غالباً لمشكلات البلع. تشتمل هذه الأمراضُ على داء باركنسون والشلل الدماغي. داء باركنسون هو نوع من اضطرابات الحركة. وهو يحدث عندما لا تقوم الخلايا العصبية في الدماغ بإنتاج الكمية الكافية من مادة كيميائية دماغية تدعى باسم "دوبامين". وتكون هذه الحالةُ وراثية في بعض الأحيان، لكنها لا تبدو وراثية في معظم الحالات. إن التعرُّضَ إلى المواد الكيميائية في البيئة المحيطة يمكن أن يمارسَ دوراً في الإصابة بداء باركنسون. تبدأ أعراضُ داء باركنسون على نحو تدريجي. وغالباً ما تبدأ في ناحية واحدة من الجسم، لكنَّها تصيب الناحيتين معاً في وقت لاحق.
ومن الممكن أن يؤدي داء باركنسون إلى صعوبة البلع، بالإضافة إلى:
سوء التوازن والتناسق.
بطء الحركة.
تيبُّس الذراعين والساقين والجذع.
ارتجاف اليدين والذراعين والساقين والفك والوجه.

الشللُ الدماغي هو مجموعةٌ من الاضطرابات ذات الأثر السلبي على قدرة المريض على الحركة وحفظ توازنه ومظهره. تظهر هذه الاضطراباتُ خلال السنوات القليلة الأولى من الحياة. وهي لا تزداد مع مرور الوقت عادةً. يحدث الشللُ الدماغي عندما لا تتخلَّق بعض مناطق الدماغ التي تتحكَّم بحركة الجسم ووضعيته تخلُّقاً سليماً، أو عندما تتعرَّض للإصابة. وإضافة إلى صعوبة البلع، فإنَّ الأشخاص المصابين بالشلل الد ماغي يمكن أن يجدوا صعوبةً في المشي أو يمكن أن تظهر لديهم مشكلات فيما يتعلَّق بمهام الحياة اليومية. كما يتعرَّض بعضُهم لمشكلات صحية أخرى من بينها النوبات الصرعية أو الإعاقة العقلية. إضافة إلى ذلك، فإنَّ السكتة أو إصابة الرأس يمكن أن تُضعِف العضلات المسؤولة عن عملية البلع أو تؤثر على تناسقها. كما يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تقليل الإحساس بالفم والحلق، وهو الإحساسُ الذي يساعد على عملية البلع. إن الأشخاصَ المصابين ببعض الشذوذات الولادية يمكن أن يكونوا غير قادرين على البلع بشكل طبيعي. وعلى سبيل المثال، فإن الأطفال الذين يولدون وهم مصابون بالفَلح الحنكي يكونون غير قادرين على المص بشكل صحيح. وهذا ما يؤدِّي إلى مشكلات فيما يتعلق بالشرب أو الرضاعة من زجاجة الرضع العادية. هناك حالاتٌ أخرى يمكن أن تسبب مشكلات البلع. ومن هذه الحالات:
سرطان الرأس أو الرقبة أو المريء. إن معالجة هذه الأنواع من السرطان يمكن أن تلحق الضرر بعملية البلع.
عدوى أو تهيُّج المريء.
مشكلات في المريء، من بينها الجزر أو الارتجاع المعدي المريئي.

إذا ما أُصيب المرءُ بحرقة الفؤاد أكثر من مرتين في الأسبوع، فقد يكون مصاباً بالارتجاع المعدي المريئي. وهذه الحالة هي الاضطراب الأكثر شيوعاً الذي يصيب المريء ويمكن أن يسبب مشكلات البلع. يحدث الارتجاعُ المعدي المريئي عندما لا تغلق العضلة الحَلَقية الموجودة في نهاية المريء من الأسفل إغلاقاً صحيحاً. وهذا ما يسمح لمحتويات المعدة بالصعود، وهذا هو الجزر أو الارتجاع، وصولاً إلى المريء، ممَّا يؤدِّي إلى تهيُّجه. ومن الممكن أن يؤدي الارتجاع المعدي المريئي إلى إصابة المريء بالضرر مع مرور الزمن. وهذا ما يجعل البلع أكثر صعوبة.


التشخيص

يطرح الطبيبُ في البداية على المريض أسئلةً عن الأعراض وعن التاريخ الطبي. كما يجري الطبيب فحصاً جسدياً بعد ذلك. هناك اختبارات يمكن أن تساعدَ الطبيب في تحديد سبب مشكلة البلع. ومن هذه الاختبارات:
التصوير بالأشعة السينية باستخدام الباريوم.
الدراسة الديناميكية للبلع.
التنظير الداخلي.
قياس الضغط.

من أجل التصوير بالأشعة السينية باستخدام الباريوم، يشرب المريضُ سائلاً يحتوي على مادة الباريوم. تقوم مادةُ الباريوم بتغليف المريء من الداخل. وهذا ما يجعله يظهر بشكل واضح بصورة الأشعة السينية. وهكذا يتمكَّن الطبيبُ من رؤية التغيرات في شكل المريء ومعرفة كيفية عمله. من الممكن أيضاً أن يبتلعَ المريءُ طعاماً صلباً يحتوي على الباريوم أو قرصاً مغلفاً بالباريوم. وهذا ما يسمح للطبيب بمراقبة كيفية عمل عضلات الحلق خلال البلع. كما أنَّ هذا يفيد أيضاً في اكتشاف الانسدادات الصغيرة في المريء، وهي انسدادات لا يستطيع الباريوم السائل إظهارها. تشتمل الدراسةُ الديناميكية للبلع على قيام المريض ببلع أنواع مختلفة من الطعام مغلفة بالباريوم. ويستطيع الطبيبُ في هذه الحالة أن يرى كيفيةَ انتقال الطعام من الفم إلى المعدة. إن هذا الفحص يسمح أيضاً بإظهار ما إذا كان الطعام يدخل إلى أنبوب التنفُّس. يستخدم التنظيرُ الداخلي أنبوباً دقيقاً مضاءً من أجل النظر في داخل المريء. يقوم الطبيبُ بإدخال هذا الأنبوب عن طريق الفم. كما يمكن أن يستخدم الطبيب أنبوباً أصغر حجماً يتم إدخاله عن طريق الأنف. من الممكن أيضاً إجراء قياس للضغط. ويقيس هذا الفحص مقدار التقلصات العضلية في المريء خلال عملية البلع. وهو يستخدم أنبوباً صغيراً دقيقاً يجري إدخالُه في المريء. ويتصل هذا الأنبوب بجهاز لتسجيل الضغط. هناك فحوصٌ أخرى يمكن أن تكون مفيدة أيضاً. ويشرح الطبيب للمريض أيَّ فحص من هذه الفحوص قبل إجرائه.


المعالجة

يمكن أن تتنوَّعَ معالجة اضطرابات البلع، وذلك بحسب نوع الاضطراب الموجود لدى المريض. وقد يشتمل العلاج على تناول الأدوية، وعلى المعالجة الكلامية، وحتى على الجراحة في بعض الحالات. من الممكن أن تكونَ الأدويةُ مفيدة في كثير من الأشخاص المصابين باضطرابات البلع. ويمكن أن تقومَ هذه الأدوية بما يلي:
تقليل الحمض.
إرخاء العضلات المشاركة في عملية البلع.
إبطاء إنتاج الحمض في المعدة.

قد تكون تغييراتُ نمط الحياة مفيدة أحياناً. ومن هذه التغييرات:
تناول وجبات صغيرة الحجم كثيرة العدد خلال النهار بدلاً من تناول وجبات كبيرة الحجم.
تناول الطعام قبل موعد النوم بساعتين على الأقل.
رفع رأس السرير بمقدار خمسة عشر سنتيمتراً.
تخفيف الوزن إذا كان المريض زائد الوزن أو بديناً.
ترك التدخين.
إن تحضير الطعام بطريقة معينة، أو تجنُّب بعض أنواع الطعام، يمكن أن يفيدَ بعض المرضى، وعلى سبيل المثال، فإن الأشخاص الذين لا يستطيعون ابتلاع السوائل الخفيفة، يمكن أن يكونوا في حاجة إلى إضافة مواد تجعل قوام هذه المشروبات أكثر ثخانة. وقد يتعين على بعض المرضى تجنب الأطعمة أو المشروبات الحارة أو الباردة. هناك طرقٌ في المعالجة يمكن أن تستخدم للمساعدة في تقوية عضلات الوجه أو تحسين التنسيق فيما بينها. ومن الممكن أن تفيد هذه المعالجة أيضاً في تعلُّم الأكل بطرق معينة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون على بعض المرضى أن يتناولوا الطعام مع تدوير الرأس إلى الجانب، أو تثبيت النظر إلى الأمام. في بعض الحالات، يمكن أن يكونَ الاستمرار في تناول الطعام عن طريق الفم مستحيلاً. وفي تلك الحالات، فإن ثمة حاجة إلى طرق أخرى للمحافظة على تغذية الجسم وصحته. وتشتمل هذه الطرقُ على استخدام نظام إطعام عادة، كأنبوب الإطعام مثلاً، وهو أنبوب يقوم بتجاوز أو بمساعدة الجزء الذي لا يعمل بشكل سليم ضمن آلية البلع. هناك معالجاتٌ أخرى يمكن أن تكون ضرورية، وذلك بحسب سبب اضطرابات البلع. وعلى سبيل المثال، فإن معالجة سرطانات الرأس والرقبة والمريء يمكن أن تشتمل على:
الجراحة.
المعالجة بالأشعة.
المعالجة الكيميائية.

على المريض أن يسأل طبيبه عن خطة المعالجة المفضلة بالنسبة لحالته.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من فضلك اكتب تعليقا مناسبا